هذا يا أولاد في هالشيخ.. اختيار هرمان صار عمره في السبعين وما جاهوش أولاد.. عجز الطب والدوا. ما خلى حكيم إلا راح له. بدون فايدة. ومرته زغيره. ما كان يجيه ولد. يوم والله هو قاعد وإلا هلي(1) ينادي: «اللي بدها دوا للحبل.. اللي بدها دوا للحبل».. سمع وسمعت مرته.. نادوه. إجا. قاله: «اسمع.. احنا عجزنا الطب والدوا ومر عنا ناس كثير مثلك.. كيف بطلع بيدك تداوي هالمرة». قاله: «عندي ولازم ذمتي».. قاله: «إذا داويت هالمره وجابت إلك اللي تطلبه مكافأة تملي جرابك(2)». قاله: «أنا مصاري ما بوخذ.. بس أول ولد بيجيك بتعطيني إياه يوم ما بولد وبرجع لك بعد خمستا عشر سنة.. أو بتعطيني اياه على طول بعد الخمستاش».
فكر هالختيار.. فكر.. قال بعد خمستا عشر سنة يخلق ما لا تعلمون.. يا سرج بميل يا عنان بنقطع(3).. يا أنا برحل.. يا هو بموت..
قاله: «أنا موافق.. بعد خمستاشر سنة أن إجانا ولد والله أحيانا خذه».
وافق الحكيم. داوي المرة. والله أعطاها. جابت هالولد اللي ما شاء الله عنه. شو وجهه زي البدر. هالعنين اوساع وهالنصاحة وهالحلاة اللي تعالي وتفرجي.
كبر الولد وابن الخرافيه بساع بكبر.. وعلمه أبوه.. قراه(4).. وتعلم ركوب الخيل وصار هالشاب اللي ما شاء الله عنه.. يوم ما كمل الخمستاشر سنة ما استفاقوا إلا الحكيم جاي.. قال لأبوه: «بدي الولد.. بدي الشاطر محمد».. قاله «كيف بدي أعطيك إياه.. بعد ما ربيت ولبيت هس أعطيك إياه». قاله: «اللي أوله شرط آخره رضا». منه منه نتش الولد.. وفقدوهم ما لقيوهم.. الحكيم يمشي والولد لاحقه كأنك طارده بمطراك.. سحره.
ظلوا يمشوا تاوصلوا هالبلد. الحكيم يقول للشاطر محمد بابا وهذاك يقول له بابا.. الحكيم يطش يشتغل يداوي.. الله أعلم بيه الشاطر محمد يقعد في الدار.. يطلع ع البلد.. يتفرج.. يتعرف على الناس..
يوم والله هو ماشي وإلا هالزلمه اختيار قاعد ع باب هالدار.. حاطط هالكرسي الزغيره وقاعد بنش ع هالغليون(5)... اطلع في الشاطر محمد وهو يصرخ: «يابا يا حبيبي»... وصار يبوس في هالولد.. ويعيط في هالولد.. والشاطر محمد مش داري اشو يقول.. الختيار.. يقول له: «يابا يا حبيبي يا محمد...» بعد ما هدي الزلمه قاله: «يا عمي.. صحيح أنا اسمي محمد.. بس أنا مش ابنك» قاله الختيار: «أنا عارف بس أنت مثل ابني مخلق منطق.. وهذا الله بعثك إلي مشان أبل شوقي من ابني اللي مات في زهرة شبابه...». وقعد الختيار ينهق(6)... هذا الولد صار يعيط.. ويحاول يهدي بالختيار.. فاتوا مع بعظ ع الدار... وقعدوا.. كل واحد منهم قص قصته للثاني.. الختيار قص قصة ابنه.. والولد قص قصته مع الحكيم الساحر.. قال الولد: «والراي بها الحكيم.. إن شافني بالبلد برد يسحرني ويستعبدني وأنا مش حابب أظل معاه. قاله: بس هذه هي» قاله: «وهذه بسيطة؟». قاله.. «استني علي».. قام الختيار جاب هالطاقية مطرزة ومدندشة(7) وحطها ع رأس الشاطر محمد.. قاله الشاطر محمد «شو هذه»؟ قاله «استنى تاقول لك» نادى الختيار ع الخدام.. قاله «صب قهوة».
صب الخدام قهوة لسيده.. قاله: «صب للشاطر محمد».. صار الخدام يتلفت حواليه.. قاله «طيب روح»... راح الخدام.. قال الشاطر محمد: «مال خدامك كنه ما بشوف الظيوف؟» قاله: «بشوفش اللي ع راسه طاقية اخفا.. انت ع راسك طاقية لا بتخلي حدا يشوفك ولا يسمع صوتك».. قاله: «يعني أفلتت من الحكيم الساحر». قاله: «بعون الله».
قعد الشاطر محمد عند هالختيار.. في النهار يطلع.. يلبس طاقية الاخفا ويدور في هالبلد... يوم ماشي من تحت هالقصر شاف هالبنت بتطل على هالقصر عند هالبنت عاد هو ما حدش بشوفه ما دام لابس طاقية الاخفاء..
طلع.. مرق من بين هالحراس وهالخدم.. وطلع على هالدرج.. شو قصر ملوك. مرق من عند هالطباخ بصفط في هالجاج(
على هالرز.. حط الطباخ جاجه.. فسخ فسخة منها وأكلها.. صار الطباخ يتلفح(9) حواليه ويقول: اسم الله... رد تناول الجاجة وعاود حطها.. ظل الطباخ يتلفح. دشر الطباخ وطلع عند البنت. لاقاها لابسه ثوب هالحرير وممددة على هالسرير بتقرأ بهالكتاب.. من ساعة ما فات شافها قعدت تتظبظب(10) قامت طالت تخت الرمل وقعدت تحسب. قالت له «قيم الطاقية عن راسك يا شاطر محمد.. أنت نصيبي من هالدنيا وجابك الله وجيت.. إنت جوزي اللي الكتب حكت لي عنك.. اظهر وبان وعليك الأمان..». الشاطر محمد قالك اظهر ما اظهر.. بعدين ما قدرش يطلع ويتركها وراه.. قام هالطقية.. وقرب سلم عليها.. قعدته بجنبها.. إجا تامنه يحكي لها قصته قالت له: «لا تتعب حالك.. أنا بدرج(11) فيك من يوم ما ولدت تاجيت على هالبلد. وأنا عارفة إنك لا بد وتيجي».
قامت سفقت(12) بايديها.. اجو هالخدم.. فرشوا هالسفرة وقامت هي والشاطر أكلوا وشربوا واستحمدوا الله.. وقعدوا يحكوا ولعبوا.
فات ابوها.. قالها: (مين هذا يا بنت؟» قالت له: «هذا اللي طول عمري بستناه.. هذا الشاطر محمد». قاله: «يا ميت أهلاً وسهلاً.. أنت الشاطر محمد اللي ع شانك رفظت أولاد الملوك».. قاله «أنا الشاطر محمد».
قام عقد لهم ع بعظ وجوزهم وعملهم هالعرس وهالعرنسة وقعد عندهم الشاطر محمد كم يوم.. وقال لعمه: «يا عمي البلاد طلبت أهلها». قاله: «آ.. يا عمي.. شو عليه». سوي لهم هالزادة وهالزوادة وقالهم الله ييسر أمركم..
مشوا.. مشوا.. تقول من هول لحيفا... قعدوا يتريحوا. والله ما لحقوا يقعدوا وإلا هي بتقوله: «آخ.. آخ.. البس الطاقية يا شاطر محمد..» قالت له: «هذا ابن عمي طلبني وأنا رفظته مشانك وهاي أنا وقعت تحت إيده..» سحب سيفه وقالها: «هس بخلصلك عليه» قالت له: «سيفك ما بفيدك.. هذا ابن عمي وأنا بعرفه.. ساحر ما فيه حدا أقدر منه.. وروحه مش معه.. البس طاقيتك وخلينا نشوف كيف بدنا نساوي فيه».
لما وصل قالها: «جابك الله والنصيب.. طول عمرك ما بدك اياني وهاي الله حطك تحت ايدي..» قالت لحالها: «يا بنت سايريه(13)، قال اللي قبلنا بوس الكلب من ثمة تاتوخذ حاجتك منه» قالت له: «ولو يا ابن عمي.. هو أنا بدي ألاقي أحسن منك».. قالها: «ومين اللي بقى معك؟» قالت له: «الشاطر محمد..» قالها: «ومين الشاطر محمد» قالت له: «هذا ساحر معاه طاقية اخفا.. وطلبني من أبوي وأبوي جوزني غصبن عني». قالها: «وإذا قتلته؟» قالت له: «ريحني منه وأنا بتجوزك.» قالها: «امليح امليح امليح». قعد هناك يظرب بتخت الرمل.. يظرب.. ويحسب.. فش فايده.. قام قالها فوتي معاي على قصري وأنا بدبره.. فاتوا هالمغارة فات الشاطر محمد معاهم بين باب هالقصر قرأ عليه كلمتين فتح.. الشاطر محمد حفظ الكلمتين وفات معهم.. شو هالقصر.. تقول عنه قصر ملك.. هالخدم وهالحشم.. وهالمال اللي ما بتوكله نيران. فاتت هي على هالغرفة.. قالت له: «بدي اغير أواعي». وهو راح يدور ع كتب السحر. الشاطر محمد فات مع مرته. سد الباب وشلح الطاقية.. قالت له «اسمع خليك معانا الليلة... ظلك معانا أجرك واجرنا.. بعد العشا.. بنتعشى.. وبنسهر على كتب السحر بتاعيته وأنا بخليه ينطق ويقول وين روحه.. بتروح بتجيبها» قالها: «طيب». قالت له «فتح عينيك وذنيك».
والله.. غيرت أواعيها.. ومشطت وتهندزت. طلعت قعدت عند ابن عمها. أجو الخدم. حطوا هالسفره، وقعدوا يتعشوا. صف الشاطر محمد معهم.. بس عاد ما حدا شايفه الطاقية ع راسه. أكلوا وشربوا وظحكوا ولعبوا قاموا.. قعد ابن عمها يقرأ بالكتب وقعدت هي توخذ وتعطي معاه عن السحر والأرواح والجن. منه كلمه.. منها كلمه.. قالت له: «إلا قل لي.. روحك وين». قالها: «يا مرحومة البي روحي في علبه في بطن ذيب في وادي الوحوش.. ذيب اسود وع صباحه (جبينه) نقطة بيظه».
الشاطر محمد سامع.. سحب حاله وراح.. يدورع الذيب.. نزل ع واد الوحوش.. دور دور.. فش فايده.
قال بدي أدور لي ع غنمات أرعاهن.. الغنم بتجلب الذياب. مرق على هالعجوز بتحوحي على هالغنمات.. قالها: «ياخالتي ما بترعيني هالغنمات؟» قالت له: «برعيك». رعي عندها.. صار يسوق هالغنم في واد الوحوش وهو لابس طاقية الإخفاء تبين هالغنم كأنها دايرة ع رأسها. والله يوم وإلا هالذيب الأسود جاي من بعيد يركظ ع ريحة الغنم. اطلع ع صباحه وإلا هالنقطة البيظة. قاله الله جابك.. سحب سيفه وتاوصل الذيب وقط راسه إلا هو مبلطح هاظ عليه. فجره. وفتح بطنه وطال هالعلبه.. ووينك يا القصر. بطريقة رد الغنمات للعجوز وراح.
بالتصادف لقي الأمير ناصب لمرته عرس. إلا بدك تجوزي.. هي تقول له بصيرش أجوز اثنين.. اقتل الشاطر محمد وأنا بجوزك.. رفع الشاطر محمد الطاقية عن راسه وقال: هذا الشاطر محمد إجا لحدك تعال اقتله.. مرت الشاطر محمد فنت الزغروت(14) سحب الأمير سيفه وهجم على الشاطر محمد. رفع الشاطر محمد العلبه بيده وقاله «اللي بحمل لهم السيف الرجال مش السحرة الملاعين». الأمير وقف وسقط السيف من ايده. فرك هالعلبه. وقع الأمير ما بعنيه بله. نادى الشاطر محمد ع الخدم. جروا الملعون وكبوه.
قام الشاطر محمد.. لم الذهب والمال وكل شيء خفيف الحمل غالي الثمن.. وأخذ مرته.. وروح على أمه وأبوه.
والتم شمل العيلة وانبسطوا.
ودشرتهم(15) مبسوطين وجيت.
هوامش الحكاية :
1- هذا الذي
2- تملأ كيسك بالنقود
3- لا بد وأن يحصل شيء ما
4- علمه القراءة
5- يدخن على الغليون
6- يجهش بالبكاء
7- مزخرفة
8- الدجاج
9- ينظر هنا وهناك مشدوها
10- تلم حاجاتها
11- أراقب خطواتك
12- صفقت
13- اتبعي طريق المدارة
14- زغردت
15- تركتهم
الزيتونة الفلسطينية